تونس- أفقدت كورونا التمور التونسية إشعاعها في الأسواق العالمية حيث تسببت في تقويض الفرص التصديرية الأمر الذي فاقم معاناة المزارعين ممن تكدست منتجاتهم ما يهدد بإتلاف أطنان التمور. تتميز التمور التونسية بجودة عالمية ما جعلها من كبار المصدرين عربيا، وهو ما دفع السلطات إلى العمل على تعزيز غراسة النخيل المنتج للتمور الرفيعة، التي تعرف بـ”دقلة النور”. ما زالت عملية تصدير التمور في تونس تتم بطرق تقليدية، حيث يقتصر على تعليب المنتوج وتصديره كما هو دون تثمينه، لتكون هذه العملية إحدى أسباب تباطؤ تسويقه.
كما أن تفاقم أزمة كوفيد – 19 رافقه تراجع للتصدير وحتى البيع داخليا، وهو ما يضاعف مخاوف المزارعين بمحافظة قبلي، جنوبي تونس، من احتمالية تراكم المحصول دون تسويق. ونقلت الأناضول عن أحمد سعداوي، أحد المزارعين بمنطقة بازمة بمحافظة قبلي، قوله “مزارعو منطقتنا فرحوا في هذا الموسم بالصابة (الإنتاج) القياسية للتمور، التي لم يتم تحقيقها طوال السنوات الماضية”.
وأضاف “صابة مثالية وقياسية من حيث الكم والنوع، ولكن السؤال لمن سنبيعه، في زمن الكورونا؟.. عادة ما يكون المنتج في منتصف أكتوبر، جاهزا للجني، إلا أن السلطات لم تتدخل لضمان تسويقه”. وتابع “جرت العادة أن يتم بيع التمور لكبار التجار، الذين يقومون بدورهم بتسويقها إلى بلدان أجنبية، ولكن ذلك لم يحصل إلى حد الآن”.
يستحضر السعداوي سنوات دراسته الأولى، قائلا “كانت إدارة المعهد تقدم لنا التمور ضمن الوجبة اليومية حيث تشتري الدولة كمية من الفلاحين، تساهم في إيجاد حل لترويج المنتج”. وهنا تساءل “لم لا تتدخل الدولة لشراء المنتج لفائدة موظفي الأمن والجيش، ضمن خطة وطنية تهدف إلى إيجاد سوق داخلية تضمن ترويج جزء منه”. ويختم السعداوي حديثه، “في ظل عدم وجود آليات للتسويق، فإن المزارع منا يضطر لبيع منتوجه بثمن زهيد، خاصة أن بيع الصابة على رؤوس النخيل لم يتجاوز 30 في المئة وهي أقل نسبة منذ سنوات”.
ينقسم قطاع التمور إلى حلقات رئيسة، وهي الإنتاج والتجميع والتسويق الخارجي والداخلي، وتبلغ المساحة المخصصة لغراسة أشجار النخيل حوالي 40 ألف هكتار (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع)، في محافظة قبلي 3.5 مليون نخلة. ومن إجمالي عدد أشجار النخيل، هناك 10 في المئة تمور مطلق (تمور تستهلك أغلبها محليا، وهي أقل جودة من دقلة النور)؛ والنسبة الباقية من صنف دقلة النور. ومن المقدّر إنتاج 340 ألف طن هذه السنة، 70 في المئة منها في محافظة قبلي، بحسب عبدالله المكشري رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالمحافظة.
يقول المكشري إن “قطاع التمور في تونس يوفر قرابة مليوني يوم عمل، مع وجود قرابة 130 وحدة تخزين لمادة التمور بطاقة تخزين 55 ألف طن، ونصدر قرابة 130 ألف طن لـ86 دولة. يمتد موسم تصدير التمور في تونس من أكتوبر إلى سبتمبر من السنة التالية.
ويعتبر بلقاسم غزال، أحد مزارعي منطقة القطعاية بمحافظة قبلي أن موسم جني التمور، يعد فرصة لبعث حركة اقتصادية في الجهة، فهو يوفر مورد رزق مباشرا وغير مباشر طوال فصل جني التمور. وأضاف “يتواصل موسم جني التمر على مدى أربعة أشهر، حيث تبدأ مرحلة الجني الأولى للتمور المحلية بجني النوع المسمى ‘القندة..الفزاني’، في أكتوبر، وهي أنواع تمور تروج محليا”. وتابع غزال بحسرة قائلا إن “دور الدولة يعد غائبا في السنوات الأخيرة، فمنتجو التمور تضرروا من أزمة كوفيد – 19 في مرحلة أولى خلال صيانة الثمرة قبل نضجها”.
وأضاف “كما تضررنا أكثر بسبب عدم فتح الأسواق الخارجية.. المنتوج وفير هذه السنة والظروف المناخية التي كانت ملائمة لنضج الثمار، أصبحت اليوم غير ملائمة لبقاء الثمار أكثر فوق رؤوس النخيل، ومخازن التبريد لا يمكن أن تستوعب الصابة”. وفي تصريحات سابقة له، قال المدير العام للمجمع المهني المشترك للتمور سمير بن سليمان، لوكالة الأنباء التونسية، إن الموسم الجديد سيشهد بعض الصعوبات، المرتبطة بإمكانية حصول موجة ثانية من فايروس كورونا ستؤثر على نسق التصدير.
واعتبر أن تخوفات المصدرين والمخزنين ووحدات التحويل والتكييف (250 مؤسسة تكييف وتصدير)، من الموجة الثانية للجائحة ستؤثر على مستوى الأسعار عند الإنتاج. وتظل مشكلة الأمراض التي تضرب النخيل والتكاليف العالية لعميلة الإنتاج وعدم تسوية أوضاع عدة مزارع غير المرخصة من أبرز المشكلات التي تشكل صداعا مزمنا لمن يعملون في القطاع.
وفي سياق آخر فرغم ما تحققه من عوائد كبيرة لخزينة الدولة تكافح تمور تونس من أجل الحفاظ على أسواقها الدولية رغم المطبات الكثيرة التي تعترض معظم المزارعين، ومن أبرزها ارتفاع الأسعار والاحتكار وغياب الدعم الحكومي. ويقول خبراء القطاع إن تلك العوامل قد تقف حجر عثرة أمام تحقيق قفزة في السنوات المقبلة إذا لم يتم تدارك الأمر سريعا، في ظل اشتداد المنافسة من المغرب والجزائر.
وظل التونسيون على مدى عقود يفاخرون بإنتاجهم لأجود أنواع التمور على مستوى العالم وريادتهم من حيث حجم التصدير، لكن هذه التجارة باتت محل منافسة شديدة مع صعود أقطاب جديدة في المشرق العربي وحتى المغرب العربي. وتزاحم تونس أبرز الدول المنتجة للتمور من بينها مصر والسعودية والإمارات والجزائر، لكنها تتصدر قائمة المصدرين من حيث القيمة المالية كما تعتبر المزود الرئيسي للأسواق الأوروبية.