عقب طلاق غير ودي مع الاتحاد الأوروبي، واصلت بريطانيا حملتها للانفتاح التجاري على العالم بنشر شبكة من الاتفاقيات التجارية مع اقتصادات حيوية تتجاوز أوروبا. ففي غضون عشرة أيام، أبرمت لندن ثلاث صفقات تجارية مع دولتين آسيويتين، والآن مع سويسرا الدولة غير العضو في التكتل الأوروبي التي كانت الجزيرة جزءا منه.
وتهدف الاتفاقية، التي وقعتها بريطانيا وسويسرا أمس الأول، إلى ضمان سهولة الوصول إلى الأسواق على أساس المعاملة بالمثل لمقدمي الخدمات بين سويسرا وبريطانيا، والمحافظة على وصول عالي الجودة لموردي الخدمات في بريطانيا إلى السوق السويسرية، وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير) 2021، وقتئذ لن تكون بريطانيا في ذلك اليوم جزءا من الاتحاد الأوروبي.
وذكرت وزارة الاقتصاد والتدريب والأبحاث السويسرية في بيان أمس الأول، أن الاقتصاد السويسري سيكون قادرا على مواصلة الاعتماد على الشركات البريطانية لتلبية احتياجات الخدمات المصرفية قصيرة الأجل بسرعة. وقالت: “بفضل هذه الاتفاقية، ستتمكن الشركات السويسرية أيضا من الاستمرار في الاستفادة من الوصول الواسع إلى السوق البريطانية من أجل توفير الخدمات من قبل الأفراد”.
وأوضحت الوزارة أن الاتفاق هو جزء من استراتيجية الحكومة لـ”سد الفجوة”، المصممة لبرنامج ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقتصر الاتفاق في البداية على عامين، لكنه يضمن استمراريته الآلية فور انتهاء الفترة الانتقالية، إذا لم يعترض أحد الطرفين. وستُعرض الرسالة المتعلقة بالاتفاق على البرلمان للمصادقة من الآن حتى نهاية حزيران (يونيو) 2021.
من جانبها، قالت لـ”الاقتصادية” البعثة التجارية البريطانية في جنيف: “إن هذه الصفقة البعيدة المدى تأتي في إطار استراتيجية الحكومة الرامية إلى وضع بريطانيا في قلب شبكة من اتفاقيات التجارة الحرة الحديثة مع اقتصادات ذات حيوية، وتعزيز مكانتنا مركزا عالميا للخدمات”. وفيما يتعلق بالتنقل الذي يعد الأساس الحيوي لنجاح العلاقات التجارية، ستسمح اتفاقية التنقل بين بريطانيا وسويسرا للمهنيين البريطانيين وغيرهم من العاملين في مجال الخدمات بمواصلة السفر بحرية إلى بلاد المصارف والعمل دون تأشيرة لمدة تصل إلى 90 يوما في العام.
وعند السفر إلى سويسرا، سيتمكن المهنيون البريطانيون من القيام بأعمال تجارية كما كانوا يفعلون خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولن يواجهوا اختبارات المصالح الاقتصادية أو تصاريح العمل أو أوقات الإجراءات الطويلة لأول 90 يوما، حسب البعثة التجارية البريطانية.
وتقول البعثة: “إن هذه الصفقة ستدعم التجارة في الصناعات الحيوية في الاقتصاد البريطاني، بما في ذلك المالية والاستشارات والخدمات القانونية وقطاع التقنية والصناعات الإبداعية بما قيمته أكثر من 37 مليار جنيه استرليني من التجارة، وتضمن الوصول مستقبلا إلى التعريفات المنخفضة أو الصفرية لآلاف المنتجات بما في ذلك السيارات والأدوية والساعات”. كما التزمت الدولتان بالعمل معا على الاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية في دولة كل منهما، ما سيسهل على المهنيين البريطانيين - من المحاسبين إلى المهندسين المعماريين - ممارسة المهنة في سويسرا.
وتقول لـ”الاقتصادية”، سالي جونز، المتخصصة التجارية في مؤسسة “إيرنست آند يونج” للأبحاث: “إن إعلان الاتفاقية مهم ومهم للغاية، من حيث اتساع وعمق الوصول إلى الخدمات التي يمثلها”، وأضافت “منح الحرية لمزودي الخدمات البريطانيين للعمل في سويسرا لمدة 90 يوما دون تأشيرة وتصاريح، والاكتفاء بمجرد عملية إخطار مباشرة، أمر حيوي، ليس فقط لمقدمي الخدمات أنفسهم، لكن أيضا للشركات التي يعملون لديها”. وأكدت أنه سواء كانوا من عمالقة الأدوية، أو مصنعي الروبوتات، أو المتخصصين في صناعة الشوكولاتة، سيشعر هؤلاء بالاطمئنان عندما يجدون أنفسهم أنهم ما زالوا قادرين على حرية التحرك والدخول إلى الأسواق خاصة الأوربية منها بالطريقة نفسها بالضبط كما كانوا من قبل.
وقالت ليز تروس، وزيرة التجارة الدولية البريطانية، في وقت سابق: “نريد أن نندفع نحو آفاق جديدة في التجارة. في نهاية المطاف، نريد أن نؤسس “مهد القط” من الصفقات مع الاقتصادات الحيوية التي تشاركنا قيمنا والالتزام بالتجارة الحرة القائمة على القواعد من أجل القضاء على الحواجز التجارية عبر الحدود وربط العالم برأس المال، بما يوفر استمرارية حيوية لشركاتنا”.
وفي هذا الإطار، أبرمت الوزيرة تروس في العاشر والـ12 من كانون الأول (ديسمبر) الجاري صفقتين تجاريتين مع سنغافورة وفيتنام، حسب الترتيب، وتمهد الصفقة مع سنغافورة الطريق لعلاقة متطورة في مجال التقنية الرقمية كجزء من خطة لجعل بريطانيا مركزا عالميا لتجارة التقنية والخدمات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتتضمن الصفقة مع فيتنام اتفاقية تجارية ستلغي 99 في المائة من التعريفات الجمركية خلال سبعة أعوام، بما في ذلك التعريفات على الآلات والمنتجات الصيدلانية، وتحافظ على علاقة تجارية بين الدولتين تضاعفت ثلاث مرات بين 2010 و2019 بالقيمة الاسمية إلى 5.7 مليار جنيه استرليني. وتذهب، سالي جونز، إلى القول: “إن الصفقتين بداية عهد جديد لبريطانيا من التجارة مع آسيا تقرب لندن خطوة من الانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية ذات معايير عالية بين 11 دولة من دول المحيط الهادئ”.