المملكة المتحدة

المنتجات الغذائية والمشروبات

03-01-2021

ما بعد «بريكست».. صفحة جديدة في بريطانيا وحركة نشطة للتجارة

بريطانيا

طوت بريطانيا صفحة نحو نصف قرن من التكامل الأوروبي ودخلت أمس الجمعة، مع حلول عام 2021 مرحلة جديدة بعد إنجاز خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبي بدون أن تظهر عراقيل بشكل فوري، لكن مع العديد من العوامل المجهولة. وبعد أربع سنوات ونصف السنة على استفتاء 2016، بات بريكست نهائياً عند الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي وتوقيت جرينيتش الخميس، مع توقف البلاد عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي إثر انسحابها من السوق الموحدة الأوروبية والاتحاد الجمركي. بعد 47 عاماً من التكامل الأوروبي المضطرب وبعد أربع سنوات ونصف السنة من التقلبات التي تلت استفتاء عام 2016، أُنجز بريكست أخيراً بعدما بات رسمياً في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، لكن أرجئت مفاعيله عبر فترة انتقالية كان هدفها امتصاص الصدمة.

 

في افتتاحية نشرت في ديلي تلجراف، أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أبرز مهندسي بريكست، أن 2021 ستكون «سنة التغيير والأمل»، مشيداً باتفاق التبادل الحر الذي أبرم مع بروكسل قبل الميلاد. وقال جونسون: «بالنسبة إلينا، هذا يعني انتهاء الخلافات الحاقدة حول أوروبا التي سممت سياستنا منذ فترة طويلة»، مضيفاً «بالنسبة لأصدقائنا هذا لا يعني بالتأكيد أنهم خسرونا، أو خسروا رغبتنا في سيارات المازيراتي».

 

ضوابط جمركية

واتفاق التبادل الحر الذي تم التوصل إليه مع بروكسل يجنب الطرفين خروجاً قاسياً كان سيترك تداعيات اقتصادية مدمرة، لكن التغيير فعلي، فإن التنقل الحر الذي يتيح للبضائع والأشخاص الحركة بدون عراقيل على الحدود توقف باستثناء التنقل بين إسبانيا وجبل طارق، المنطقة البريطانية، وكذلك بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.

 

ومن الآن فصاعداً باتت تتعين تعبئة بيانات جمركية والخضوع لعمليات تفتيش صحية للتصدير عبر المانش، والحصول على بطاقة إقامة من أجل الاستقرار على الضفة المقابلة وشهادة صحية للكلاب والقطط التي تنقل مع أصحابها إلى دول الاتحاد الأوروبي. صباح أمس الجمعة وفي ما انطلقت أولى العبارات نحو فرنسا، كان مرفأ دوفر الإنجليزي هادئاً بدون العراقيل التي كان البعض يخشاها بسبب الإجراءات الجمركية الجديدة وعمليات التفتيش التي دخلت حيز التنفيذ. وكان شرطيون يتحققون من أن سائقي الشاحنات ملتزمون بالقواعد وأنهم غير مصابين بفيروس كورونا المستجد قبل السماح لهم بمتابعة طريقهم.

 

مخاوف من عمليات «تأخير» في ويلز

وعد جونسون مواطنيه بمكانة أقوى في العالم لبريطانيا بصفتها رائدة في التبادل الحر، لكن في المستقبل القريب فإن بريطانيا التي تغادر حضن أوروبا، تسجل وفيات عالية وإصابات بفيروس كورونا المستجد، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثة عقود. وأبرمت لندن اتفاقات تجارية مع ستين دولة بينها اليابان، لكن التسوية التي كانت ترغب فيها مع الولايات المتحدة قد تتعثر مع مغادرة دونالد ترامب السلطة، ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.

 

لكن البلاد تواجه تحديات كبرى وخصوصاً الانتشار المتسارع للوباء الذي تسبب في وفاة أكثر من 73,500 شخص، وهي حصيلة من بين الأسوأ في أوروبا، وفي أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثة عقود. داخلياً، على جونسون توحيد صفوف البريطانيين الذين انقسموا حيال بريكست مع تصدع وحدة البلاد؛ إذ إن إيرلندا الشمالية وأسكتلندا صوتتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.

 

وفي هذا الصدد كتبت رئيسة الوزراء الأسكتلندية نيكولا ستورجن العازمة على إجراء استفتاء جديد على الاستقلال، على تويتر «أسكتلندا ستعود قريباً يا أوروبا». وإذا كان الهدوء عم البلاد الجمعة، فإن العراقيل المحيطة بالموانئ متوقعة، مع استئناف النشاط الكامل الأسبوع المقبل، خصوصاً إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ حركة المرور. ويمكن أن يشهد ميناء هوليهيد البارز في ويلز بالقرب من أيرلندا «عمليات تأخير في الأسابيع المقبلة»، كما حذر مركز الإعلام لحركة النقل البري في ويلز على تويتر. وتم رفض ست شحنات الجمعة لأنها لا تتطابق مع القواعد.

 

وقال وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفني في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «سيتعرض التبادل التجاري البالغة قيمته 80 مليار يورو من الآن فصاعداً لعراقيل عبر بحر أيرلندا بين بريطانيا وأيرلندا بسبب الضوابط والتصاريح والبيروقراطية والكلفة والتأخر».

 

وغادرت بريطانيا السوق الأوروبية الموحدة بدون أي كلمة وداع من جانب الاتحاد الأوروبي. وفي بروكسل لم يعلق أي من قادة المؤسسات الأوروبية على الطلاق النهائي بين الطرفين. واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته إلى الفرنسيين الخميس، بمناسبة حلول السنة الجديدة، أن المملكة المتحدة تبقى «صديقتنا وحليفتنا» على الرغم خروجها من الاتحاد.

 

ومع بريكست، ستخسر الشركات العاملة في مجال الخدمات المالية، وهو قطاع رئيسي في لندن، حقها في عرض خدماتها بشكل تلقائي في الاتحاد الأوروبي، وسيترتب عليها أن تفتح مكاتب في الدول الأعضاء لتتمكن من العمل فيها. وستستثنى الجامعات البريطانية من الآن فصاعداً من برنامج «إيراسموس» لتبادل الطلاب.

 

ويوفر الاتفاق لبريطانيا إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضم 450 مليون مستهلك، من دون رسوم جمركية أو نظام حصص، لكن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنب أي منافسة غير عادلة، في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.

 

وعندما دقت الساعة 23:00 مساء أول أمس الخميس، بالتوقيت المحلي، لم تعد المملكة المتحدة تطبق قواعد الاتحاد الأوروبي وانتهت حرية التنقل لأكثر من 500 مليون شخص بين بريطانيا و27 دولة في الاتحاد الأوروبي. إلا أن جبل طارق، وهو جيب بريطاني قبالة سواحل جنوبي إسبانيا، يبقى استثناء، بعد إبرام صفقة في اللحظة الأخيرة مع مدريد لتجنب عراقيل حدودية كبيرة. وفي ما يتعلق بالصيد البحري الذي كان موضوعاً شائكاً في المفاوضات حتى اللحظة الأخيرة، ينص الاتفاق على مرحلة انتقالية حتى حزيران/يونيو 2026.

 

حركة سلسة عبر المانش

مرت حوالي 200 شاحنة عبر نفق المانش «دون أي مشكلة» ليل الخميس/الجمعة، بعد خروج المملكة المتحدة من السوق الأوروبية الموحدة، وإعادة الإجراءات الجمركية، بحسب إدارة «غيتلينك» مشغلة النفق. وقال ناطق باسم المجموعة: «تمت إدارة حركة المرور بشكل جيد بالنسبة إلى ليلة استثنائية وتاريخية، كل شيء سار على ما يرام». وتابع: «كل الشاحنات أكملت الإجراءات» التي فرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

 

وعلى الجانب الفرنسي، دخلت الإجراءات الرسمية الجديدة حيز التنفيذ منتصف الليل مع وصول أول شاحنة لنقل البضائع الثقيلة من رومانيا، إلى نقطة تفتيش الشاحنات المتجهة إلى المملكة المتحدة. وإضافة إلى إجراءات الأمن والسلامة المعتادة، قام الشرطيون بتفحص لوحة ترخيص هذه الشاحنة أمام وسائل إعلام. وكذلك، أفرغ أول قطار آتٍ من المملكة المتحدة، الدفعة الأولى من الشاحنات بأمان.

 

وأصبح يتعين على الشركات الآن، أن تخضع لإجراءات شكلية في الاتجاهين، وأن تعلن عن بضائعها للجمارك الفرنسية من خلال نظام على الإنترنت يسمى «الحدود الذكية». ومن المتوقع مرور أولى شاحنات البضائع الثقيلة بالعبّارة منتصف الصباح في ميناء كاليه، بعد توقف الحركة البحرية ليلة رأس السنة.