بعد بضعة أشهر من التصويت الشعبي البريطاني في 23 حزيران (يونيو) 2016 على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقبل أن تقول لندن وداعا للاتحاد الأوروبي في بداية 2021، توجهت إلى الدولة الصغيرة سويسرا لتوقيع اتفاقيات معها، بعد أن شعرت بزيادة القواسم المشتركة بينهما، فهما خارج الاتحاد الأوروبي عمليا وتتمتعان بمركزين ماليين مؤثرين يلقيان منافسة من المركز المالي الأوروبي. الأهم من ذلك، أرادت لندن "مراعاة الفجوة" وتعويض خسارتها مع الشركاء الأوروبيين بتعزيز علاقاتها الاقتصادية والمالية مع شريك أوروبي آخر، بعد انتهاء الفترة الانتقالية المتفق عليها بين لندن وبروكسل في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2020، ومغادرتها السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي وكذلك الاتحاد الجمركي. كما أن الاتفاقيات الدولية للاتحاد الأوروبي لم تعد تنطبق على بريطانيا أيضا، نتيجة لذلك، دخلت علاقات سويسرا مع لندن مرحلة جديدة من المتانة وتوسيع نطاقها، وعهد بتنسيق العمل إلى فريق توجيهي مشترك بين الإدارات، تحت إشراف الحكومة السويسرية.
وخلال الأشهر الـ 54 الفاصلة بين التصويت والطلاق النهائي، تفاوضت الدولتان في إطار استراتيجية "مراعاة الفجوة زائد"، على سبعة اتفاقات مع الحكومة البريطانية جميعها دخلت حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني (يناير) 2021. وفي مجال النقل الجوي اتفقتا على الحفاظ على حقوق حركة المرور مثلما كان معمولا بها خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وفي النقل البري، يجوز إعفاء نقل البضائع من الترخيص ويمكن الحفاظ على إمكانية حرية الوصول المتبادل لكل دولة لنقل البضائع والأشخاص. أما في قطاع التأمين فتسمح اتفاقية التأمين لشركات الدولتين العاملة في قطاع التأمين على الحياة بإنشاء وتشغيل فروع لها في الدولة الأخرى. ويستأنف الاتفاق التجاري الموقع بين الدولتين، عديدا من الاتفاقيات ذات الصلة مثلما كانت قائمة مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة "1972" واتفاق المشتريات العامة "1999" واتفاق الاعتراف المتبادل في تقييم الامتثال "1999" والاتفاق الزراعي "1999" واتفاقية مكافحة الاحتيال "2004". ولن تنطبق بعض الأحكام لأنها تعتمد على حل مماثل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وتحمي اتفاقية حقوق المواطنين الحقوق التي حصل عليها المواطنون السويسريون في بريطانيا بموجب اتفاقية حرية حركة الأشخاص، مثل حقوق الإقامة أو المزايا الاجتماعية أو الاعتراف بالمؤهلات المهنية، وينطبق المبدأ نفسه على الرعايا البريطانيين المقيمين في سويسرا، وفي مجال الضمان الاجتماعي، تم توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص بين الدولتين.
ويعد الاتفاق السادس، المتعلق بتنقل مقدمي الخدمات أحد أهم الاتفاقات السبعة، إذ يعطي حرية كاملة لتنقل الأفراد من مقدمي الخدمات القصيرة الأجل عبر الحدود لفترة غير محدودة، بعد أن اقتصر الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي، وشمل بريطانيا في حينه، على عامين فقط. ويعزز اتفاق التعاون مع الشرطة التعاون مع قوات الشرطة البريطانية ويعمقه، ولا سيما في مجالي مكافحة الجريمة والإرهاب، ما يعزز الأمن الداخلي لكلتا الدولتين. لكن أهم من هذه الاتفاقات السبعة، وقع المركزان الماليان القويان إعلانا مشتركا في 30 حزيران (يونيو) 2020 يدعو إلى توثيق التعاون في مجال الخدمات المالية. وفي إعلان آخر وقع قبل عشرة أيام من خروج بريطانيا النهائي من الاتحاد الأوروبي، أعلنت الدولتان عزمهما على تعزيز تعاونهما في مجال التجارة حيث ينص الاتفاق التجاري على أن تبدأ الدولتان مناقشات حول تنمية وتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية. وأيضا إعلان آخر يتعلق بالهجرة، وبما أن حرية تنقل الأشخاص بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ومعها سويسرا انتهت في نهاية 2020، طلبت بريطانيا من سويسرا السماح لمواطنيها بالدخول إلى سوق العمل لديها منذ 1 كانون الثاني (يناير) 2021. على الجانب السويسري، وافقت الحكومة على إدخال حصص منفصلة لـ3500 عامل بريطاني بالدخول للعمل في اقتصادها النشط في 2021، وتم الإتفاق على زيادة العدد إلى 4000 في 2022.
وفي المجال المالي، وفي ضوء تمتع هاتين الدولتين بمركزين ماليين رائدين على مستوى العالم، يقول الاقتصاديون هنا "إن السوق المالية البريطانية سوق رئيسة للمصارف السويسرية، فمن المهم جدا ألا يتم الحفاظ على علاقة جيدة مع الجزيرة فحسب، بل أيضا تعميقها بطريقة مستهدفة". في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وبعد مفاوضات مكثفة وتأجيلات متتالية لتاريخ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، توصلت لندن وبروكسل إلى اتفاق ينص على الخروج في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2020 مع فترة انتقالية. قبل انتهاء الموعد النهائي المحدد مباشرة، توصلت بريطانيا إلى اتفاق مع سويسرا بشأن الخدمات المالية وشروط التجارة في السلع في المستقبل. وبما أن بريطانيا لم تعد ملزمة بالقانون الأوروبي، فإن المصارف السويسرية وجدت أن تحرير وتوسيع نطاق الوصول المتبادل إلى الأسواق في مجال الخدمات المصرفية والاستثمارية على المستوى الثنائي يصب في مصلحتها، وهكذا لبى الاتفاق رغبات القطاع المصرفي السويسري بتحرير وتوسيع نطاق الوصول المتبادل إلى الأسواق في مجالات الأعمال المصرفية وإدارة الأصول والتأمين وأسواق رأس المال "بما في ذلك البنية التحتية للأسواق المالية"، وقد تم ذلك على أساس الاعتراف المتبادل بتنظيم السوق المالية والإشراف عليها "الاعتراف المتبادل". من الناحية العملية، مكن الاتفاق المصارف السويسرية الأكثر حيوية من نظيرتها البريطانية من خدمة شرائح العملاء في بريطانيا بطريقة أبسط وأكثر استجابة.
في حينه، أصدرت رابطة المصرفيين السويسريين بيانا رحبت فيه بشدة بتضمين الحكومة السويسرية توصيات الرابطة في الاتفاق ومعها 30 جمعية صناعية ومؤسسة مالية سويسرية، وأيضا هيئة الأوراق المالية. وكانت الخطوة الثانية قيام سويسرا وبريطانيا بتطبيع علاقاتهما في سوق الأوراق المالية، ما أعطى الأخيرة متنفسا خارج سوق الأوراق المالية الأوروبية. وبموجب اتفاق في هذا المجال وقعته الدولتان، رفعت سويسرا إجراء الحماية في سوق الأوراق المالية ضد بريطانيا. وأتت هذه المبادرة في أعقاب اعتراف بريطانيا بمعادلة البورصات السويسرية. وفي منتصف كانون الثاني (يناير) 2021 اعترفت الحكومة البريطانية بمعادلة لوائح سوق الأوراق المالية السويسرية وقدمت قرارا بهذا الشأن إلى البرلمان. بعد ثلاثة أسابيع من "المهلة الزمنية" للاستئناف، أصبح هذا القرار قانونا نافدا في 3 شباط (فبراير) 2021. وفي المقابل، قامت السلطات السويسرية المختصة بتعطيل تدابير حماية السوق التي اتخذتها ضد منصات التداول البريطانية. ومن الناحية الملموسة، رفعت وزارة المالية السويسرية بريطانيا من قائمة الولايات القضائية التي تقيد تداول الأسهم السويسرية في البورصات السويسرية لمشغليها. لذلك، أذنت هيئة مراقبة سوق الأوراق المالية مرة أخرى بتداول الأسهم السويسرية في البورصات البريطانية، ومنحت التراخيص لأسواق التداول الأجنبية للتداول في الأسهم السويسرية.